الاثنين، 30 يونيو 2014

تمر ..... و لله الأمر


تمر ..... و لله الأمر

  صيف السنة الماضية ذهبت إلى سوق السيارات برفقة أحد أصدقائي ليشتري سيارة مستعملة ، و هو مكان مفتوح يكتظ بالسيارات يومي الأحد و الجمعة من كل أسبوع ، و كان اليوم الجمعة و كان شديد الحرارة و تعامدت الشمس فوق رؤوسنا و فوق أجساد السيارات المعدنية و التي لم تقصر في عكس أشعة الشمس علينا ، و لم يكن أمامنا أي مكان مظلل نستطيع اللجوء إليه و بدأ يصيبنا الإحباط ، ووسط هذا الصخب إذا بمنادي ينادي بما له وقع مختلف عن لغة الأرقام و اشكال السيارات و ألوانها البراقة و لكنها كانت أكثر تأثيرا في حالنا آن ذاك وهي .... " تمر و لله اﻷمر ."



  هو بائع متجول في خريف العمر يبيع مشروب التمر الهندي المثلج مناديا " تمر و لله اﻷمر " و لا أستطيع أن أصف شعوري وقتها و لكني أدركت لحظتها ما معنى أن يقترن العمل ( تمر ) بالعبادة ( و لله اﻷمر ) ، و استطاع هذا المشروب أن يخرجنا تماما من هذه اﻷجواء المحيطة بل وجهنا هذا العمل المتقن إلى التدبر في شق العبارة الثاني ( و لله اﻷمر ) و الذي أخرجنا بدوره من حالة الإحباط الذي أصابنا و جعلنا أكثر يقينا في العثور على مبتغانا , و هكذا هي معظم الحضارات الإنسانية و المعمارية قامت على هذه الجملة الرائعة ذات شقي العمل و العبادة.



دعوني أوضح أن مقالي هذا لا يقتصر على الاعتقاد المتعارف عليه ( العمل عبادة ) و هو إيمان المرء أن عمله أيا كانت ماهيته في حد ذاته عبادة ، و لكنه يمتد لدرجة أرقى و هو مفهوم العمل للعبادة هو أن يعمل المرء عملا ليس مقصده اﻷول رزقا دنيويا بل يقصد به تقربا إلى الله ، و على سبيل المثال نجد العامل و إن قلت درجة ثقافته يعطي أفضل ما عنده من حرفة للمباني الدينية و نجد عبارة تتكرر على ألسنتهم باستمرار ( يا بيه انا ماأخرش حاجة على بيت ربنا أبدا) ، بل نجد أن معظم المكاتب الهندسية الاستشارية تعطي اهتماما شديدا لمشروعات المباني الدينية و كثيرا ما ترفض أن تتقاضى مبالغ مالية نظير التصميم أو الإشراف و هكذا نرى الامتزاج الواضح بين احساس أن هذا العمل مختلف و مهم ﻷنه مقدم إلى الإله و بالتالي يتحقق مفهوم العمل للعبادة.


  هناك أمثلة كثيرة من التاريخ المعماري توضح أن أعظم الحضارات المعمارية و المباني التراثية قامت على هذه الفكرة و هي ما أجمل أن تكون أعمالنا مصبوغة بصبغة العبادة و نبدأ بإعطاء مثال إلى حضارات ما قبل الأديان السماوية مثل العمارة المصرية القديمة ، فكان الإنسان المصري القديم يبني المساكن من خامات مستهلكة مثل الطوب اللبن و المحروق التي لم يتبقى منها إلا الأطلال و لكن نظرا لاهتمام المصريين القدماء بالدين كما ذكر هيرودوت فالمصري هو نفسه من اهتم بالعمارة الجنائزية الخالدة حتى الآن ، و التي نتجت من إيمانه بأن هناك حياة ثانية أبدية بعد الموت و أن الملوك ( المتوفين ) سوف ينتقلون إلى الخلود في صورة نجم أو في صورة رب الشمس وتمخضت عن هذه الفكرة أحد عجائب الدنيا السبع القديمة و هي  اﻷهرامات و هذا يمثل الامتزاج الواضح بين العمل و العبادة.


  و هناك العديد من الحضارات المعمارية التي نشأت تحت ظلال اﻷديان السماوية و كمثال أول العمارة القوطية ، و قد خصيت عمارة  الكنيسة القوطية بالذكر و ذلك ﻷنها من أعظم ما قدم التاريخ المعماري في أوروبا بما يمتاز به هذا الطراز من علو و رشاقة و جودة معمارية لدرجة اعتباره رمز لملكوت الله على اﻷرض ، و قد نشأ هذا الطراز في بداية القرن الثاني عشر الميلادي و قدم ابتكارا انشائيا كبيرا حيث طور طريقة نقل اﻷحمال من السقف إلى أعمدة خارجية أطلق عليها ( المساند الطائرة ) و بالتالي فتح نوافذ كبيرة و إضاءة الكنيسة بشكل أفضل و الذي لم يكن موجود في السابق  و هو من ركائز الديانة المسيحية حيث يمثل دخول الضوء المقدس إلى داخل الكنيسة تعبيرا عن دخول رمز الإله إلى النفس البشرية و هذا ما قدمته العمارة ( العمل المتقن ) للوصول إلى المفهوم الحقيقي للعبادة .



  و نأخذ كمثال ثاني العمارة الإسلامية ، و هنا نجد ان هناك علاقة واضحة بين العمل المقدم للعبادة و لا يقتصر ذلك على بناء المساجد فقط و لكنه امتد إلى بناء الحمامات العامة ( عمل ) و ذلك للاغتسال و الحفاظ على الطهارة ( فقه عبادة ) و السبل و اﻷوقاف من مدارس و بيمارستات ، و إذا أردت أن تشعر بالعمل المقدم للعبادة فعليك زيارة شارع المعز بالقاهرة ، و الذي ترى فية قمة الحضارة مرورا بضخامة جامع الحاكم و جمال واجهة جامع الأقمر و دقة تفاصيل سبيل عبدالرحمن كتخدا و هندسة قبة مجموعة  قلاوون و غيرها.



  ولا أريد أن أغفل في مقالي بعض المدارس المعمارية الحديثة و التي أخرجت لنا عمارة معاصرة نتيجة إيمانها بالفلسفة الوجودية و التي تتعارض مع اﻷديان السماوية و فكرة وجود الإله و قد تميزت بأشكالها و خاماتها المعاصرة مثل العمارة التفكيكية و العدمية و التي في رأيي اشتهرت تحت شعار " و بالضد تتميز اﻷشياء " ، و بين هذه و تلك مدارس معمارية لمع نجمها في عصر ما تلبية لاحتياجاته ثم خفت ثانية بانتهاء عصره و أطلق عليه موضة معمارية


  فإذا اعتبرنا أن العمل و العبادة مقياس لبعضهما البعض ، بمعنى أنه إذا ارتفعت العبادة ارتقي العمل و ازدهر ، و إذا ازدهر العمل ظهرت أخلاق العبادة و ليس بالضرورة العبادة ، أما إذا اختل أحدهما فإن اﻵخر يختل بدوره ،وأود أن أوجه رسالتي إلى المعماريين المصريين و العرب و اللائي أتشرف أنني أعرف منهم الكثير على خلق و دين ( عبادة ) و لا أشكك في هذا أبدا و لكنني أطرح تساؤلا ، أين حضارتكم؟ أين عمارتكم ؟ أين شق الجملة الآخر ؟ و إن كان غير موجود فهل السبب أننا لا ندرك المفهوم الحقيقي للعبادة أم فقدنا تديننا الفطري أم فقدنا وسطيتنا المعهودة، و أخيرا أوجه لكم نصيحة واحدة " تمر ...... و لله الأمر ".

                                                                                                                            د.م/أحمد فوزي

 الموقع الرسمى للاكاديمية
http://www.palm-studios.com/
حساب الاكاديمية على اليو تيوب (نرجو عمل subscribe لمعرفة احدث اعمالنا اول باول(
https://www.youtube.com/user/ThePalmStudio
حساب الاكاديمية على تويتر
https://twitter.com/Palm_Studio
حساب الاكاديمية على الفيس بوك (نرجو عمل like لمعرفة احدث اعمالنا اول باول(
https://www.facebook.com/palmacademy
للاراء و المقترحات نرجو التواصل على
http://www.palm-studios.com/contact-us

الثلاثاء، 17 يونيو 2014

عمارة المهرجانات


عمارة المهرجانات

لقد فكرت كثيرا في الكتابة عن العمارة و ذلك لأهمية الفن المعماري في تقدم أذواق الشعوب و الأمم , و نحن الآن في أمس الحاجة إلى  كتابات متخصصة بعيدة عن السياسة و الدين و أقدم لكم تجربتي الأولى و أتمنى أن تلقى قبولا لدى القراء.

أبدأ هذه المقالة بالحديث عن ما أطلقت عليه عمارة المهرجانات, و التسمية مأخوذة من أغاني المهرجانات الشعبية و التي انتشرت في الآونة الأخيرة في مصر و لاقت قبولا واسعا في كثير من البلدان العربية نظرا لتسليط الأضواء عليها من قبل الإعلام المصري بشكل كبير , و ما أسعى إليه في هذا المقال هو وضع مفهوم لما أطلقت عليه "عمارة المهرجانات" .

هل هي عمارة العشوائيات (المساكن الشعبية) أم هي الفجوة غير الخلاقة في تصميماتنا العربية , بمعنى آخر هل ترتبط بالفقراء أم ترتبط بالأغنياء؟ و قبل أن أجيب عن هذا التساؤل دعوني أولا أن أتحدث في عجالة عن أنواع أغاني المهرجانات .

على حسب معرفتي بأغاني المهرجانات فإنها متشابهة الألحان و الاختلاف إنما يكون في الكلمات و الإيحاءات , و سأقوم بتقسيمها إلي نوعين هما: أغاني مهرجانات تستخدم الإيحاءات الجنسية و تمثيل العنف بشكل صريح جدا و علي رأس هذا النوع أغاني فيجو(موزع) و سادات(مغني) , و النوع الثاني هي أغاني مهرجانات تستخدم الإيحاءات الجنسية و تمثيل العنف بشكل متواري و على رأسها أغاني أوكا(موزع) و أورتيجا(مغني) و في رأيي فالنوع الثاني أخطرهم لأنه يوضع تحت الأضواء و الإعلام و أصبح مغنوه نجوما.

و بالمقارنة فإنه يمكننا تقسيم عمارة المهرجانات إلى نوعين : الأول و هو عمارة العشوائيات التي تستخدم المواد الأولية مثل الطوب الأحمر و الخرسانة المكشوفة و أحيانا تستخدم الخشب و ألواح الصفيح في الحوائط و الأسقف و ذلك في المناطق الأكثر فقرا , و بالتالي فهي عمارة تعبر عن الفقر و الجهل و المعاناة بشكل صريح و لكنها متوارية بعيدا عن أعين الناس مثل النوع الأول من الأغاني الشعبية و على الرغم من ذلك أرى فيها قليلا من الجمال المعماري على الرغم من عدم تكلفها و وحدتها اللونية النابعة من اللون الأحمر للطوب و البني للأرض الترابية و أحيانا اللون الأخضر في الأراضي الزراعية المحيطة بالأراضي المجرفة.

 أما النوع الثاني منها و أنا في رأيي لا يرتبط بفقر مادي و إنما بفقر فني رهيب منتشر في مدننا المصرية و للأسف على الشوارع الرئيسية و ليس في الحارات الداخلية و قد وصل هذا الفقر الفني إلى التجمعات السكنية الجديدة ذات المستوى المادي و الثقافي المرتفع , و أقف دائما متألما أمام هذا التلوث البصري من تصميمات كلاسيكية شوهت النسب الأصلية للطرز و لقوالب ايطالية و إنجليزية و غيرها من عصور مختلفة ممتزجة على واجهة واحدة, أما التصميمات الحديثة فحدث و لا حرج و التي لا تخرج عن البناء على الصامت لاستغلال المساحة لدرجة قتل الإضاءة و التهوية الطبيعيين ثم إضافة بروزات مستطيلة القطاع على الوجهات بأشكال و ألوان مختلفة و لقد أطلقت عليها اسم ثعبان الواجهة و التي أعتقد مستوحاة من لعبة الثعبان و التفاحة و هذه هي الغالبية العظمى من تصميمات الفيلات و المباني السكنية و الإدارية الحديثة .

و بالمثل أجد النوع الثاني من عمارة المهرجانات هو الأخطر لأنه المسئول عن تكوين وجدان الشارع و إحساسه بالجمال و اللون سواء كان المتلقي جاهلا أو علي درجة عالية من الثقافة, إننا كمتخصصين في فن العمارة نجد أن أفراد أسرتنا و أصدقائنا المثقفين معجبون بمباني غاية في الفقر الفني و أعتقد أن معظمنا تعرض لهذا الموقف مع أقرب الأقربين إليه و بالتالي علينا أن ننقذ الشارع المصري و العربي و يجب أن نبدأأ بأنفسنا بالعلم و تنمية الموهبة و الإحساس بالجمال و لا ننصاع لتحكم العميل غير المثقف معماريا في المنتج النهائي و هو الأصعب.

و أخيرا أحب أن أنهي مقالتي بهذه الفكرة , لقد آمنت في حياتي العملية أن العمارة ما هي إلا نتاج فلسفة معينة سادت في المجتمع فتتحول بدورها إلى فن و منها إلى عمارة, كما فكرت كثيرا في تصميم طراز معماري أطلق عليه طراز المهرجانات و أن أحول هذا المعنى بداخلي من السيئ إلى الجيد.و ها نحن و للأسف بمجتمعاتنا العربية مليئة بالفقر و الجهل و الذي خرج منه نوع من الأغاني الشعبية الناجحة و هي "المهرجانات"و أعتقد أنها الابتكار الوحيد اللذي نسب للمصريين في العقد الأخير ,فيا معشر المعماريين ألا تستغلوا هذا و تبتكروا شيئا جديدا,أعرف جيدا أنها فكرة غريبة علي الكثير منكم و لكني أؤمن أن العالمية لن تأتي إلا بالمحلية.

أحمد فوزي
 الموقع الرسمى للاكاديمية
http://www.palm-studios.com/
حساب الاكاديمية على اليو تيوب (نرجو عمل subscribe لمعرفة احدث اعمالنا اول باول(
https://www.youtube.com/user/ThePalmStudio
حساب الاكاديمية على تويتر
https://twitter.com/Palm_Studio
حساب الاكاديمية على الفيس بوك (نرجو عمل like لمعرفة احدث اعمالنا اول باول(
https://www.facebook.com/palmacademy
للاراء و المقترحات نرجو التواصل على
http://www.palm-studios.com/contact-us