السبت، 22 نوفمبر 2014

وهكذا تبنى الحضارات

  مسجد ابن طولون - ميدان ابن طولون - حي السيدة زينب – القاهرة

وهكذا تبنى الحضارات 


تحركت الساعة السابعة مساءا من منزلي بمدينة نصر في محاولة للحاق بعرض أحد اﻷفلام الهامة بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته السادسة و الثلاثين و هو فيلم " انجلترا الصغيرة " و المحدد عرضه في الثامنة مساءا و قررت ركوب المترو كوسيلة سريعة للمواصلات ، و كانت أقرب نقطة لي هي محطة الدمرداش و التي وصلت إليها في الثامنة إلا الربع تقريبا ، و لمن لا يعرفها فهي محطة مترو سطحية للوصول إلى مدخلها يجب عبور جسر علوي يؤدي إليها ، و في هذا التوقيت كان الجسر مكتظا بالمصريين و علقت في المنتصف و أنا في عجلة من أمري و لكني محاصر من كل اتجاه و لا أستطيع أن أزيد من سرعتي و بالتالي يجب الالتزام بالسرعة العامة للصف ( رتم الحركة ) و من خلال هذة التجربة أدركت أنني لن أستطيع التقدم بسرعة لمجرد رغبتي الشخصية في ذلك و لكن يجب علي معاونة كل اﻷشخاص المتواجدين في الصف مهما كانت دياناتهم أو انتمائتهم أو حتى أفكارهم و توجهاتهم ، و بالمثل عندما نريد أن نتقدم بسرعة يجب أن نتوحد ﻷن تقدم أي مؤسسة أو دولة يجب أن يكون بالعمل الجماعي و ليس فقط بالرغبة الشخصية للفرد الواحد و هكذا تبنى الحضارات.

و لكى أدلل على وجهة نظري هذة سوف أتطرق إلى جامع أحمد بن طولون و الذي يعتبر أهم أثر إسلامي بمنطقة الخليفة بل و بمصر كلها حيث أنه نموذج للعمارة اﻹسلامية في القرن التاسع الميلادي و المستوحاه زخارفه من الفن العباسي بسامراء ، و هو ثالث الجوامع التي أنشئت بمصر و احتفظ بتخطيته و تفاصيله حتى الآن ، و لكني لن أشرح المسجد معماريا بل سأسلط الضوء على بعض اﻷحداث الهامة المرتبطة بالمسجد بنائه و ترميمه كي نتعلم منها كيف نتحد لنبنى الحضارة

ومثال لهذة اﻷحداث، بناء المسجد بواسطة أحمد بن طولون (876م - 878م) مؤسس الدولة الطولونية و الحاكم العادل و الذي  كان على دراية بالفقه و الحديث و التفسير حيث كان يتردد على مجالس العلماء و هو صغير و عندما تولى حكم مصر شرع في إخماد الفتن و فرض سيطرته و هو من أنشأ عاصمة جديدة و هي القطائع 870م و في وسطها بنى المسجد و الذي يدل على ازدهار فن العمارة في ظل الدولة الطولونية و أيضا إنشاء بيمارستانا 873م للعلاج المجاني و عرف عنه المساواة بين جميع فئات الشعب فقيل انه استخدم طبيبا يهوديا و عهد ببناء المسجد إلى سعيد بن كاتب الفرغاني

من هو سعيد بن كاتب الفرغاني، هو مهندس قبطي نابغة اشتهر اسمه في عهد الدولة الطولونية حيث استطاع حل المشكلة الرئيسية في المسجد و هو احتياجه لعدد كبير من اﻷعمدة يصل إلي ثلاثمائة عمود من الرخام و الذي كان سيؤدي إلى هدم معظم كنائس مصر ، و تأتي هنا عبقرية المهندس القبطي المصري حيث استخدم العقود المدببة قبل أن تعرفها أوروبا بحوالي عقدين من الزمان

و أود أن ألقي الضوء أيضا على ترميم المسجد حيث تم ترميمه في العديد من العصور مما يدل على اهميتة و لكني أقف عند ترميمه في العصر الفاطمي حيث عهد الخليفة المستنصر ( اﻹمام الثامن عشر من سلسلة  أئمة الشيعة اﻹسماعيلية ) إلى وزيره بدر الجمالي بترميم المسجد ، و بدلا من أن يقوم بمحو عناصر المسجد الديكورية الدالة على العمارة العباسية لاختلافه معهم في المذهب الديني ، قام بترميمه على ما كانت عليه و أضاف محرابا آخرا من الجص غير المجوف على أحد أكتاف رواق القبلة و ظهرت فيه عبارة ( لا إله إلا الله محمد رسول الله علي ولي الله ) ، و هكذا هي الحضارة عملية تراكمية و لم يزال هذا المحراب أو يهدم بعد الدولة الفاطمية كذلك ، و حتى عندما قام كل من السلطان حسام الدين لاجين او الملك فؤاد اﻷول بترميمه حافظا على كل عناصره الديكورية و المعمارية و ظلت كما هي حتى اﻵن

احد محاريب الجصة فى جدار قبلة مسجد بن طولون انشئ فى فترة حكم الخليفة المستنصر

و هكذا تبنى الحضارات ، ببدايات طموحة و إدارة قوية و أفكار حديثة و تعاون بين كل أفراد المجتمع مهما اختلفت مذاهبهم و أفكارهم و توجهاتهم، و كذلك ينبغي علينا توريث هذا المبدأ للأجيال القادمة حتي يكملوا ما بدأه اﻷوائل بالحفاظ على التراث و اﻹضافة إليه و أخيرا أتمنى أن ندعو جميعا " اللهم اجمع شملنا و ألف بين قلوبنا و وحد كلمتنا و صفنا " .. اللهم آمين

                                                                                       د.م/أحمد فوزي


 الموقع الرسمى للاكاديمية
http://www.palm-studios.com/
حساب الاكاديمية على اليو تيوب (نرجو عمل subscribe لمعرفة احدث اعمالنا اول باول(
https://www.youtube.com/user/ThePalmStudio
حساب الاكاديمية على تويتر
https://twitter.com/Palm_Studio
حساب الاكاديمية على الفيس بوك (نرجو عمل like لمعرفة احدث اعمالنا اول باول(
https://www.facebook.com/palmacademy
للاراء و المقترحات نرجو التواصل على
http://www.palm-studios.com/contact-us

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق