الاثنين، 22 ديسمبر 2014

د.م / أحمد فوزي يكتب: هل تنطبق عبارة " الشغل مبيقفش على حد " على المعماري ؟



كثيرا ما صادفت فى حياتي العملية تلك العبارة " الشغل مبيقفش على حد " والتى تعني بأن وجودك من عدمه فى مكان عملك لا يغير شيئا وأنه يمكن الاستغناء عنك فى أى وقت واستبدالك بشخص آخر يقوم بنفس مهامك دون أن يتأثر مسار العمل، و يستخدم هذة العبارة على الأغلب صاحب العمل تجاه مستخدميه فى العديد من المواضع والمواقف ولكن على الأرجح لا تكون عن التقصير فى العمل و أنما تكون عن الإجادة فى العمل والمطالبة ببعض المزايا والتقدير الإضافي إما المعنوي و إما المادي.  وأحيانا وحتى نكون منصفين قد يستخدم هذة العبارة الموظف الجيد تجاه صاحب العمل عندما يريد ان يترك العمل وذلك لأنه وجد فرصة أفضل.

وبعد تعريف المعنى وراء العبارة وقبل أن أخوض فى شرح وجهة نظري فى هل يجوز توجيه مثل هذة العبارة إلى المعماري أو لا ؟ و لماذا توجه إليه ؟ وما هو الحل ؟ أود أن أروي لكم قصة من التاريخ حول النحات و الرسام والمهندس والمعماري ميكيلانجلو بوناروتي ( مايكل أنجلو )، وتدور أحداث القصة سنة 1505م حينما دعا البابا يوليوس الثاني بابا الفاتيكان ميكيلانجلو إلى روما، وذلك بعدما ذاع صيت الأخير كنحات موهوب وكانت المهمة هى بناء ضريح للبابا وقد رسم ميكيلانجلو التصاميم الخاصة بالضريح وشرع فى تنفيذ العمل ولكن البابا قام بتعليق العمل فخاف ميكيلانجلو وهرب إلى موطنه الأصلي فى فلورنسا وذلك لأنه أنفق الأموال كلها  التى أعطاها إليه البابا كمقدم لبدء العمل وبالتالي لن يستطيع ردها.

ولإدراك البابا موهبة ميكيلانجلو أرسل إلى حكومة فلورنسا كى يطمئنه بأنه ليس غاضب منه ويطلب منه العودة إلى روما مرة ثانية وقد كان، وعندما عاد عرض علية مهمة أخرى وهى زخرفة سقف كنيسة سيستان 1508م و بالرغم من أنه لم يكن رسام تصويري فى هذا الوقت بل كان نحاتا، و بالرغم من أن هذة الرسومات ليست من النوع التقليدي بل كانت صعبة فى تنفيذها حيث كان السقف على ارتفاع 20م من الأرض ولم يكن مسطحا بل كان  قبوا، و بالرغم من كل العقبات أتم ميكيلانجلو العمل من 1508م إلى 1512م وهذا العمل هو إحدى  قمم فن عصر النهضة فهى صورة للجنة على الأرض حيث رسم ما يزيد عن 300 رسمة معقدة لقصة سفر التكوين في الإنجيل وقسمها إلى ثلاثة أقسام وهي قصة خلق الله للأرض ، قصة خلق الله لآدم ، مسألة البشر كما يمثلها النبى نوح وعائلته.

هناك العديد من الأسئلة التى تدور فى ذهني حول هذة القصة وسوف أحاول سردها والرد عليها ومنها، أولا: لماذا اختار البابا يوليوس الثانى ميكيلانجلو بعينه رغم الخلافات التى كانت بينهما وعدم تخصص الأخير فى الرسم التصويري؟ والإجابة هى إيمانه بموهبته وعبقريته حيث كان البابا فى هذا الزمان راعيا للعلوم والفنون ( الموهبة )، ثانيا: هل لم يكن فى هذا العصر رسامين لديهم الموهبة المطلوبة لإنجاز المهمة؟ بالعكس كان هناك رافائيل ( رافايللو ) الذى يعد من أساتذة الحركة الكلاسيكية الأولى وكان هو والمعماري الشهير برامانتى مقربيين الى البابا يوليوس الثاني وحسب رواية ميكيلانجلو نفسه أن برامانتى هو من نصح بابا الفاتيكان بتوظيف ميكيلانجلو لهذة المهمة حتى يفشل ويبعده عن البابا إلى الأبد ويصبح رافائيل الأبرز فى عصره ( المنافسة والتحدي بين الفنانين عن طريق العمل ).

ثالثا: هل نفذ ميكيلانجلو التصميم الذى طلبه منه البابا يوليوس الثاني؟ لا، فقد غير فكرة التصميم تماما من رسمة بسيطة لتلامذة المسيح الإثني عشر على خلفية زرقاء إلى فكرة أكثر تعقيدا وهى قصة سفر التكوين فى الكتاب المقدس الإنجيل ( فرض فكرة الفنان على العميل )، رابعا: هل لم يخطئ ميكيلانجلو فى أى شئ خاص بالعمل خلال الأربعة سنوات حتى يسحب البابا الثقة منه ويجعل رافائيل يكمل زخرفة سقف كنيسة سيستان؟ على العكس تماما فإنه بعد الانتهاء من نصف العمل، أى بعد مرور سنتين اكتشف خطئا فادحا فى مقياس الرسم وأن الشخصيات المرسومة  صغيرة يصعب رؤيتها من أسفل وذلك لأنه كان يعمل بالقرب من السقف، وتأتي عبقرية ميكيلانجلو هنا فى استخدام خدع المنظور ليكمل باقي زخرفة السقف بشخصيات أكبر دون الشعور بفرق مقياس الرسم بين القديم والجديد وعلى حسب رواية ميكيلانجلو شخصيا فقد حاول المعماري برامانتى التخلص منه عند هذة النقطة ولكنه لم يستطع إقناع البابا بذلك بعدما استطاع ميكيلانجلو إيجاد الحل الغير تقليدي ( الحلول الفنية العبقرية ).

والسؤال الأخير هنا، هل كان البابا راضيا عن المنتج النهائي لميكيلانجلو؟ كان راضيا فى أول الامر ولكن سرعان ما غير رأيه و طلب من ميكيلانجلو أن يزيد من الحليات و الذهب ولكن ميكيلانجلو رفض تعديل أي تفصيلة وأيضا رفض البابا إعطائه آية منحة أو مكافئة لإتمامه العمل ( الفن هو الهدف وليس إرضاء العميل )،،  و هنا سوف أتوقف فى هذة القصة لأن هناك قصص كثيرة فى حياة ميكيلانجلو ولكني أود أن أضيف أنه على الرغم من عدم رضاء البابا ووفاته فيما بعد إلا أن هناك العديد من الباباوات استعانوا بميكيلانجلو فى مهام كثيرة وكان لو فشل فى تنفيذ واحدة تعطى إليه أخرى.

أود ان أعود مرة أخرى إلى سؤال المقال الأساسى وهو هل تنطبق عبارة " الشغل مبيقفش على حد " على المعماري واعتقد أن الإجابة سوف تختلف بين الماضى والعصر الحاضر ،، ففى الماضى واعتمادا على القصة السابقة وغيرها كثر فإنه لا يجوز أن تقال مثل هذة العبارة، أما فى العصر الحاضر وللأسف تقال مثل هذة العبارة وغيرها ولكن ماذا حدث؟ وكيف وصلنا إلى هذة المرحلة ؟ والإجابة أصبحت واضحة جلية وهى عندما يفقد المعماري ماهيته وصفته الأساسية كفنان وعندما يفقد المعماري فن العمارة يصبح موظف تقليدي ويفقد كل الصفات التى أشرنا إليها فى القصة السابقة من الموهبة وثقته بنفسه وبالتالى إيمان الآخرين بة والمنافسة الشريفة وإقناعه للعميل وإيجاد الحلول العبقرية والنتجة هي ما نراه الآن.

ولكى نجد الحلول يجب أن ندرك جيدا مراحل فقدان المعماري للفن، ففى العصر الحالى يذهب الموهوبون إلى أقسام العمارة فى كليات الهندسة المختلفة فيدرسون ( فن وعلم العمارة ) وعند التخرج مع افتراض حصولهم على قدر كافي يؤهلهم لبداية الطريق يمنحوا لقب مهندس معماري !! على الرغم من أنه لم يتم تدريس من علم الهندسة والبناء إلا الشئ اليسير و يلصق بة هذا المسمى على الرغم من أن هناك فرق كبير بين المصمم المعماري Architect  والمهندس Engineer، ولكي أدلل على وجهة نظرى نرى فى أوروبا وأمريكا أن هناك فصل بين مدارس العمارة وكليات الهندسة وإن دمجت فإن التخصص كمصمم معماري واضح ومنفصل ، وحديثا تم استحداث تخصص جديد وهو مهندس المباني أو المهندس المعماري وهو الشخص المسئول عن التواصل بين المعماري و المهندس الإنشائي أى توصيل أفكار الأول لكى يستطيع الثانى إدراكها وتحقيقها وهذة هى بداية المشكلة ضياع تعريف ووصف وظيفة المعماري. 

وخلال الحياة العملية يطلب من المعماري كل ما يخص المهندس وبالتالى يحاول المعماري جاهدا تنمية الجانب الهندسي ( علوم الهندسة والبناء )  وليس ( فلسفة وتاريخ فن العمارة ) ويفقد الموهبة والفن، وبالتالى فلا تتعجب من أن تجد أى مقاول يستطيع أن يقوم بأعمالك أو تعتقد انت أنه يستطيع القيام بمهامك وأعمالك وتصبح شخصا نمطيا فى وظيفتك، و بالتالى تتقبل عبارة " الشغل مبيقفش على حد " بصدر رحب بل و الأسوأ تقولها انت بنفسك ولنفسك وللآخرين.

والحل، أرجو أن تستخلصه بنفسك من بين سطور القصة التالية، رأيت رجلا يصعد الأتوبيس فى ساعة الذروة فى القاهرة ولم يجد مكانا للجلوس ولكنه كان يستطيع أن يقف كغيره، فطلب من السائق التوقف للنزول فتوقف الأتوبيس ونزل الرجل وعلق السائق على هذا قائلا بسخرية " فاكر نفسه فى أوروبا " ، فضحك الركاب ولكننى لم أضحك وقررت ألا أقف فى الأتوبيس ثانية، والآن سؤالي لك ...... ماذا عنك؟ .... هل تقبل كمهندس معماري أم تنزل كمعماري؟

لرؤية المقال على الموقع الرسمى  ,, نرجو الضغط على اللينك فى الاسفل

www.palm-studios.com/article06

لمشاهدة سقف كنيسة سيستان 1508 – 1512 م بواسطة ميكيلانجلو بوناروتي يمكنك الدخول على الرابط اسفل
                                                                                           د.م/أحمد فوزي
الاثنين ، 22 ديسمبر 2014




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق